هدفت الدراسة إلى معرفة موقف الدول العربية نحو مشروع أنابيب مياه السلام من حيث وصفه وأهدافه ومخاطره. ويرمي المشروع الذي اقترحه تورجوت أوزال عام 1987م إلى تحويل 6 ملايين م3 من المياه يومياً من نهري سيحان وجيحان في تركيا إلى كل من سوريا والأردن، مع احتمالية ضم السلطة الفلسطينية وإسرائيل. إضافة إلى دول الخليج من خلال أنابيب يبلغ طولها الكلي 6600 كم، لتلبي استهلاك ما بين 14-17 مليون نسمة من سكان تلك الدول، لحل الأزمة المائية فيها.
وركزت الدراسة على المواقف العربية من المشروع بين عامي 1987-1999م، والتي كان مجملها توجيه العديد من الاعتراضات والانتقادات له، منها اعتراضات اقتصادية مثل التكلفة المالية الباهظة للمشروع وارتفاع تكلفة سعر المتر المكعب من مياهه مقارنة بتكلفة محطات تحليت المياه، وصعوبة توفير المصادر المالية لتمويل المشروع، إضافة إلى أنه يمثل تهديداً للمشاريع المائية العربية، واستغلال تركيا له لتفعيل دورها الإقليمي على حساب الأطراف الأخرى، والمشاركة الإسرائيلية فيه. فيما ركزت المشاكل الفنية والتقنية على المخاوف العربية من عدم قدرة تركيا على توفير الكميات المقررة في المشروع، وسهولة تعرضه للتخريب أو الدمار، وتأسيساً على ما سبق فقد عارضت الدول العربية المعنية المشروع ولم توافق عليه.
فيما يتعلق بعملية نقل المياه من تركيا إلى الدول الأخرى، فيبدأ خط أنابيب السلام من نهري سيحان وجيحان، حيث تنقل مياهها عبر نفق طوله ما بين 15-20كم، يمر بأضنة ثم جبال نور Nur، التي تفصل أضنة عن نهر العاصي. ومن المقرر أن يزود الخط بعض المدن والقرى التركية في تلك المنطقة بالمياه، ثم يتجه جنوباً عبر الأراضي السورية إلى حلب ثم إلى حماه ثم حمص، وبعدها يتفرع الخط إلى أنبوبين هما خط الأنبوب الغربي، وخط الأنبوب الشرقي (الخليج)(1).
وفيما يخص خط الأنبوب الغربي، فيقدر طوله بـ 2700كم، وسيكون قطر أنبوبة ما بين 3-4 أمتار(2)، وسيقام على طول خطه 11 محطة لضخ المياه إلى المناطق المرتفعة بقوة 900 ميغا واط MW، إضافة إلى محطات لتوليد الطاقة الكهربائية (3).
وقد خطط لهذا الخط أن يروي المدن السورية الرئيسة حلب، حماه، دمشق، ثم يتجه صوب هضبة الجولان، ليكون بإمكانه مستقبلاً أن يزود الفلسطينيين، والإسرائيليين بالمياه، في حالة إقامة الأخيرة سلام مع الدول العربية، وهنا تنتهي المرحلة الأولى من الخط الغربي، لتبدأ المرحلة الثانية من الخط، والتي تعتبر امتداداً للخط الأول لتزود المدن السعودية الغربية: تبوك، ينبع، جدة، ومكة المكرمة(4).
الاعتراضات والانتقادات السياسية:
أثار مشروع أنابيب السلام العديد من الاعتراضات والانتقادات السياسية، والتي تمثلت بما يلي:
أ) التخـوف من لجوء تركيا في حالة تنفيـذ مشروع أنابيب السلام، إلى التحكم بالأنبوب، واستخدامه وسيلة للضغط أو حتى القطع، ضد الأطراف الأخرى المشاركة في المشروع، منطلقة في ذلك من مصالحها الخاصة، والمصالح الأمريكية والغربية، والتدخل في شؤون تلك البلدان في حالة حدوث تطورات سياسية أو عسكرية تتعارض مع تلك المصالح. ففي حالة حدوث أزمة جدية تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة ستلجأ بإرادتها أو بضغط من الولايات المتحدة إلى استخدام تلك الأنابيب للضغط على الدول التي وقعت فيها تلك الأزمة، أو حتى بقطع تدفق المياه فيها. ومن الأدلة على ذلك أن تركيا، قد قامت في حرب الخليج الثانية بقطع أنبوب تصدير النفط العراقي الذي يمر عبر أراضيها. ناهيك عن استخدامها لمياه دجلة والفرات كورقة ضغط ضد سوريا والعراق لتحقيق مصالحها الخاصة المتمثلة بوقف دعمهما لحزب العمال الكردستاني، أو لإنهاء المطالبة السورية بالاسكندرونه. وعليه فقد رفضت تركيا اقتسام مياه دجلة والفرات بالتراضي مع كل من سوريا والعراق. ولذلك فإن سوريا، وإلى جانبها معظم الأطراف العربية اشترطت قبل موافقتها على مشروع أنابيب السلام، أن تحل تركيا مشكلة نهري دجلة والفرات بين الأطراف المعنية واقتسام مياههما اقتساماً عادلاً يرضي جميع الأطراف(5).
لقد أعربت بعض الأطراف العربية المرشح مشاركتها في مشروع أنابيب السلام، عن تلك المخاوف، إذ أن سوريا قد أبدت عن عدم رغبتها الاستفادة من مياه المشروع، سواء في الري أو الشرب، حيث بررت ذلك بأنه حماية لأمنها القومي والمائي والغذائي، من خلال عدم الارتباط بشبكات إقليمية تتحكم بها دولة واحدة هي تركيا(6). كما اعتبر بعض المسئولين في الكويت والسعودية أن هذا المشروع سيعطي الأتراك دوراً للسيطرة والتحكم على سيادتهما المائية(7)، وأنه سيعرض أمنهما القومي للخطر فيما يتعلق بهذا المورد الاستراتيجي الهام(8).
وعلى الرغم من التعهدات التركية الرسمية بعدم استخدام مياه أنابيب السلام كسلاح سياسي ضد الدول العربية المستفيدة، فإن فيليب روبنس Philip Robins الباحث المتخصص في الشؤون التركيـة، يشكك في تلك التعهدات بقوله: “فالواقع أنه يصعـب أن نتصور أن المياه لن تستخدم بصورة خفية أو ظاهرة، كقوة مؤثرة في السياسية الخارجية التركية.
وقد توصلت الدراسة إلى أن تركيا تسعى من وراء طرح المشروع إلى تحقيق عدة أهداف منها الاقتصادية، وتتمثل في رغبتها بيع مياهها والحصول على دخل مالي، وسعيها إلى طرح مفهوم مبادلة المياه التركية بالبترول العربي. وتطوير مشاريعها الكهربائية والزراعية. أما الأهداف السياسية فتتجسد في رغبة تركيا في تقوية نفوذها سياسياً، وتفعيل دورها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط من خلال استغلال فائضها المائي، لحل المشكلة المائية فيها، وسعيها الحثيث لأن تكون سلتها الغذائية.
الدراسة الكاملة
[sociallocker] [/sociallocker](1) Kliot، Water Resources، p. 132.
(2) Duna، Turkey’s Peace Pipeline، pp. 119-120.
(3) Duna، Turkeys’ Peace Pipeline، p. 120.
(4) روبنس، فيليب، تركيا والشرق الأوسط، ترجمة ميخائيل نجم خوري، دار قرطبة، قبرص، 1993، ص117- 118. رياض، محمود، أنابيب السلام التركية وعلاقتها بإسرائيل، جريدة الحياة، 10/9/1991م، ص12.
(5) بيسواس وآخرون، الوسط والأطراف، ص89. السمان، نبيل، مشكلة المياه في سوريا، في مشكلة المياه في الشرق الأوسط: دراسات قطرية حول الموارد المائية واستخداماتها، 1996م، ج1، ص214.
(6) حديد، بركات، مسألة المياه والعلاقات مع دول الجوار، معلومات دولية، سنة 6، عدد 56، 1998م، ص134. السمان، مشكلة المياه في سوريا، ص214.
(8) طونش، مشكلة المياه، ص281.
(7) Starr، Water Wars، p. 29.
المقدمة حيث تعد الألعاب الإلكترونية من أهم الوسائل الترفيهية التي يستخدمها الأفراد في حياتهم اليومية،… أقرا المزيد
التسرب المدرسي التسرب المدرسي هو مصطلح يُستخدم لوصف حالة التلاميذ الذين يتركون المدرسة دون الحصول… أقرا المزيد
مفهوم التوحيد التوحيد هو مفهوم في الإسلام يشير إلى توحيد الله عز وجل، وهو أساس… أقرا المزيد
مقدمة تغيرات المناخ هي مجموعة من الظواهر الجوية الطويلة الأمد التي تؤثر على المناخ العالمي… أقرا المزيد
السيل الكبير يعتبر "السيل الكبير" في الطائف من أشهر الأودية في المنطقة، وهو يشهد تدفقًا… أقرا المزيد
نبذة عن تويتر تويتر هي منصة تواصل الاجتماعية عبر الإنترنت حيث تم إنشاؤها في عام… أقرا المزيد
يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط.