ملخص الدراسة:

كلنا يعلم أن السيرة الذاتية من أكثر الأنواع الكتابية صلة ب"أنا" الكاتب؛ صلة بتجربته الحياتية والكتابية: همومها، وشؤونها، وشجونها، وشواغلها. وهو يعبّر، في الأساس، عن حالة خاصة من حالات قصة إنسان تستحق أن تروى، ومع هذا تتقاطع كثير من السير الذاتية، مع سير أخرى في تشابه الوقائع، والمواقف، والحوادث، والظروف.وتبرز خصوصية الحالة عند النظر في الدوافع الذاتية، والخلفية الثقافية للكاتب، وموهبته ورؤيته الإبداعية، وما يترتب على ذلك من بنية خاصة للسرد تتردد بين الوفاء للواقع المرجعي أو حتمية الصياغة الأدبيّة، ومن ثم تتميز سيرة ذاتية عن أخرى، في الإفضاء بدلالاتها الكامنة، ومسارها في عبور الحاجز بين الخاص والعام، وطريقتها في كتابة التجربة، وليس مجرد الكتابة عنها.ومن هنا جاءت هذه الدراسة لتبين كيف يمكن تشخيص الطابع الأدبيّ لهذا اللون الكتابيّ، ممّا دعا إلى الوقوف أولاً عند مفهومه بوصفه نوعاً أدبيّاً، ورسم خلفيته التاريخية، وعلاقته بالتوجهات الأدبيّة في النثر العربي الحديث، ولاسيما الرواية، التي كانت من أقربها إليه، وأكثرها أثراً في تطوره، ثم الوقوف عند الفضاء السير ذاتي، ودور الدافع والخلفية الثقافية، والرؤية الإبداعية، والموهبة في صياغته من خلال كتابي:"الأيام" و"حياتي"؛ اللذين آلت الدراسة استيطانهما ميداناً للمقايسة، لريادتهما ميدان السيرة الذاتية العربية، وتعاصرهما، وروايتهما حوادث متشابهة في كثير من الأحيان، واختلاف طريقتهما في رواية سيرة الحياة، ممّا يعطي صورة أوضح للمقايسة بآليات المنظور الأدبيّ ومن ثم الوقوف على مفهوم أدق لأدبيّة هذا اللون الكتابيّ عن الذات، وأخيراً نقف عند كيفية استخلاص المنظور الأدبيّ، وتحديد آلياته في ميدان السيرة الذاتية من خلال الاحتكام إلى أهم آليات البناء السردي الروائي كأداة مفيدة للمقايسة وتشخيص المنظور الأدبيّ؛ فمن خلال دراسة إيقاع السرد، وكيفية استعمال الصوت، ونوع الوصف ووظيفته، ومقايسة مقدار توافرها في النصوص المختارة -لتختلف بذلك طبيعة الدراسة لهذين النصين الذين طالما وقف عندهما النقاد -توصلت الدراسة إلى أنَّ الوظيفة الأدبيّة للسيرة الذاتية متأرجحة؛ فهي موجودة في عمل ما، وغائبة في غيره .