ملخص الدراسة:

شكَّلت الظروف التي مر بها قطاع غزة في الفترة 1948-1967م أرضيةً خصبة للعمل الفدائي ، فقد تجمعت عدة عوامل كانت خلفيات لقيام هذا العمل ، كانت جميعها نتيجةً لحرب 1948م ، وسيطرة الصهاينة على معظم أرض فلسطين ، ولجوء أعداد كبيرة من أهالي فلسطين المحتلة إلى منطقة قطاع غزة ، وحياة البؤس التي عاشوها ، ومن خلفيات العمل الفدائي : ظهور الحركات السياسية في القطاع ، وإنشاء كتائب فدائيي مصطفى حافظ ، وقيام إسرائيل بغارات واقتحامات في مناطق مختلفة من قطاع غزة طوال الفترة 1948-1967م مما زاد من قناعة الأهالي بضرورة الرد على هذه الهجمات ، لكن العدوان الثلاثي على قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء عام 1956م ، واحتلال القطاع حتى 7 آذار/مارس 1957م ، وارتكاب مجازر بشعة في خان يونس ورفح وغزة ، وعدد من مخيمات اللاجئين ، كان دافعًا قويًا لإنشاء جبهة لمقاومة الاحتلال تكوّنت من التنظيمات الفلسطينية الموجودة في القطاع ، وضرورة الاعتماد على الذات ، بعد فشل مصر في صد العدوان عن القطاع . واستبشر الفلسطينيون خيرًا بنجاح الثورة الجزائرية ، فزادت قناعتهم بإمكانية تحريرهم لبلادهم بأيديهم ، وبمساندة عربية ، وأُعلن عن إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964م ، وتم تكوين جيش التحرير الفلسطيني ، ثم تبعت ذلك تدريبات عسكرية لعناصر هذا الجيش في القطاع ، والتدريب الشعبي ، وأُصدرت عدة قوانين ، وفرضت الضرائب على الأثرياء ، وحوّلت أموالها لصالح جيش التحرير ، فأصبح قطاع غزة في حالة تأهب عام . لكن نشوب حرب 1967م ، وانتصار إسرائيل على مصر وسوريا والأردن ، أدى إلى توسّع إسرائيل ، وأصبح قطاع غزة تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي للمرة الثانية ، فبدأت المقاومة في القطاع من قوات التحرير الشعبية التي تكوّنت من عناصر جيش التحرير الفلسطيني ، كما قاومت طلائع المقاومة الشعبية ؛ الجناح العسكري لحركة القوميين العرب ، حتى أُعلن عن إنشاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، فبدأت عملها في القطاع ، كما قاومت قوات العاصفة التابعة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) ، ومارست هذه التنظيمات المسلحة عملها داخل قطاع غزة، وفي المستوطنات المحيطة ، وفي فترة متأخرة تركزت العمليات داخل إسرائيل ، خاصة في تل أبيب وضواحيها . ونتيجة لبدء العمل الفدائي ، اعتقل الجيش الإسرائيلي آلاف المواطنين ، وأخضعهم لظروف قاسية في التحقيق ؛ بهدف الحصول منهم على اعترافات بعلاقتهم بالعمل الفدائي ، وعانى المعتقلون من ظروف معيشية قاسية طوال فترة اعتقالهم ، ولقد أثّر الاعتقال على العمل الفدائي ؛ بفقدان الكوادر المدرّبة ، وسيطرة الجيش الإسرائيلي على كميات كبيرة من أسلحة الفدائيين وكشف مخازنها ، وظهر فدائيون جُدد أقل كفاءة وانضباطًا ، فبدأ التسيب والخلل في صفوفهم ، وقلّت نجاعة عملياتهم . وكان للمرأة دور فاعل في العمل الفدائي ، فقد نقلت السلاح والرسائل والمعلومات ، وقدمت الخدمات للفدائيين ، وشاركت في الأعمال الإدارية ، ورصدت الأهداف ، وساهمت في تنفيذ بعض العمليات ، الأمر الذي أدى إلى اعتقال عشرات النساء ، وخضعن لظروف اعتقالية قاسية أثناء التحقيق ، وفترة التوقيف ، وأثناء قضاء المحكوميات ، ولقد أثّر الاعتقال على المرأة اجتماعيًا بشكل سلبي ، ومع ذلك عاد عددٌ من النساء للمشاركة في العمل الفدائي بعد الخروج من السجن . سعت إسرائيل للقضاء على العمل الفدائي ، فأحكمت الحصار البري والبحري حول القطاع ، وأدخلت وحدات عسكرية خاصة إليه ، وارتكبت الجرائم بحق الأهالي ، وأصدرت قوانين خاصة ؛ بهدف إضفاء الشرعية على ممارساتها ضد الأهالي ، وقامت بتهجير عشرات الألوف ، كما هدمت البيوت بحجة توسيع الشوارع ، واهتمت بمشاريع التوطين وتأهيل مخيمات اللاجئين ، وبدأت حملة الاستيطان في القطاع ، ووجهت ضربات قاسية للفدائيين ؛ بعد أن عزلتهم عن الجماهير . وتزامن ذلك مع توقف حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية عام 1970م ، والاقتتال في الأردن بين الثورة الفلسطينية والنظام الأردني ؛ مما أثّر سلبًا على العمل الفدائي في القطاع ، وعلى الصعيد الداخلي ، كان الفدائيون في القطاع يعانون من عدم توحّد القوى ، ومن الضعف الأيديولوجي والسياسي ، وضعف الاهتمام بالجماهير ، وظهور بعض الممارسات الخاطئة التي أدت إلى عزلة الفدائيين عن الجماهير ، كما بالغ الفدائيون في إعلامهم ، وانزلقوا نحو الاحتراف ، وزاد إهمالهم وضعفهم الأمني ، مما أدى إلى تمكّن إسرائيل من قتل أو اعتقال معظم الفدائيين ، وبذلك توقف عملهم الفدائي ، لكن هذه التجربة تبقى جديرة بالدراسة والاهتمام .

توثيق المرجعي (APA)

السنوار, زكريا ابراهيم حسن (2003). العمل الفدائي في قطاع غزة من 1967–1973م. الجامعة الإسلامية - غزة. 17885