ملخص الدراسة:

الحمد لله الذي مهد أصول شريعته بكتابه القديم الأزلي، وأيَّد قواعدها بسنة نبيه العربي، وشيَّد أركانها بالإجماع المعصوم من الشيطان الغوي، وأعلى منارها بالاقتباس من القياس الخفي والجلي، وأوضح طرائقها بالاجتهاد في الاعتماد على السبب القوي، وشرع للقاصر على مرتبتها استفتاء من هو بها قائم ملي، وصلوات الله وسلامه على سيدنا محمد المبعوث إلى القريب والبعيد والشريف والدني، وعلى آله وأصحابه أولي كل فضل سني وقدر علي. أما بعد: فإن الله عز وجل قد أكمل شريعته للأمة الإسلامية وأتم بذلك نعمته عليها، ومن أبرز سمات الكمال في الشريعة الإسلامية عمومها وخلودها وصلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان. والذي يضمن وجود هذه السمات هو منصب الاجتهاد، الذي هو فرض على الأمة الإسلامية، فبواسطته تسير الأمة على شريعة الله وتحتكم إليه. لذا كان اهتمام الأصوليين بالاجتهاد قديماً وحديثاً وبيان أسسه وشروطه وأنواعه، والذي لا ينحصر في قواعد فهم واستنباط الأحكام من الأدلة التفصيلية، بل يتعدى ذلك ليشمل قواعد تطبيق الأحكام وتنزيلها على الجزئيات والوقائع. ولعل هذا الأخير لا يقل أهمية وخطراً عن الأول، فبه تتحقق ثمرات التشريع الإسلامي ومقاصده، واستنباط الأحكام لا يغني عن تطبيقها عملياً، كما أن غالب الأخطاء التي تصدر من المنتسبين للإسلام، إنما تقع في جانب التطبيق لا الفهم والاستنباط، إذ أن الأخير قد حظي باهتمام الأصوليين أكثر بكثير من الأول حتى كاد الاجتهاد أن ينحصر فيه. لهذا فمن الضروري ونحن نعيش حالة الصحوة الإسلامية هذه أن يتجه جهد المجتهدين وبحث الباحثين نحو دراسة قواعد التطبيق وبحثها بعناية ووضع منهجية منضبطة لها، تكون بذلك تجديداً لعلم أصول الفقه وإفادة للواقع المعاصر. ومن قواعد التطبيق هذه، ما اصطلح الأصوليون على تسميته بـ " تحقيق المناط "، وقد ظل هذا المصطلح يستخدم في ثنايا الحديث عن مسالك العلة وبالتحديد عند توضيح تخريج المناط وتنقيحه، إلى أن جاء ثلة من الأصوليين أبرزهم الإمام الشاطبي فبسط فيه الكلام، وتوسع في مدلوله وأقسامه وأبرز مكانته في عملية الاجتهاد .

توثيق المرجعي (APA)