ملخص الدراسة:

إن الحمد لله نحمده حمدا يليق بجلال قدره وعظيم سلطانه ، ونسلم أتم التسليم على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين وبعد: إن العلم الشرعي ، هو أشرف العلوم وأرفعها درجة ومكانة ، ويأبى العلم الشرعي إلا أن يرتقي بصاحبه وحامل لوائه إلى أعلى المراتب ، فمن أراد الله به خيرا يفقهه في الدين. فقد اهتم الإسلام بالعلم والعلماء ، فجعل العلم سببا يرفع الله به مكانة صاحبه ؛ حيث قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ). كما نص القرآن الكريم على أن الجاهل لا يستوي مع العالم في المنزلة والسؤدد ؛ فقال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ). وقال نبي الهدى حاثا على طلب العلم وخاصة العلم الشرعي :(مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ). كما أن رسالة الإسلام لم تكن كسابقاتها من الرسالات السماوية تختص بقوم دون آخر ، أو أمة دون أخرى ، وإنما كانت رسالة للعالمين ، قال عز من قائل في كتابه الكريم : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وهي خاتمة الرسالات السماوية قال تعالى : (وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) ولذلك فقد تكفل الله U بحفظ كتابه الكريم فقال عز من قائل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وهو المصدر الأول الذي ينير لنا طريق الهداية ؛ حيث يوضح لنا ما أمرنا به عز وجل في علاه فنتبعه ، وما نهانا عنه فننتهي. وقد ساند ذلك بالسنة النبوية المطهرة ، والتي هي وكما أقر الفقهاء: بمثابة الموضح والمبين والمكمل للقرآن الكريم ، فقد حفظ الله عز وجل شريعته بالسنة الغراء فقال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)، وأيضا حفظها بمن قيضهم عز وجل من عباده الصالحين العابدين العاملين ، فكان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ، ثم التابعين ، ثم الأئمة الأعلام الأربعة ، ومن أتى بعدهم من الأئمة الأجلاء أمثال ابن تيمية رحمهم الله جميعا ، فبينوا ووضحوا بجهودهم كل خفي وأزالوا كل لبس حتى أضحت الشريعة الإسلامية سهلة الفهم والتطبيق لكل مسلم ، أو من أراد فهم الإسلام والإطلاع على أحكامه من غير المسلمين. ومن التابعين الذين كان لهم كبير الأثر في إثراء المكتبة الفقهية وإحياء السنة ، الإمام التابعي الجليل محمد بن شهاب الزهري ، شمله الله بواسع رحمته ورضوانه ، والذي قال عنه الشافعي : لولا الزهري لماتت السنة . وهو الذي سأحاول في هذا البحث المتواضع ، أن أزيل اللثام قدر جهدي عن فقهه في الأحوال الشخصية "زواج و طلاق " ، فأسأل الله عز وجل في علاه أن يعينني على ذلك ، وأن يتقبله عملا خالصا لوجهه الكريم ، عز وجل في علاه. نبذة مختصرة عن حياة الإمام محمد بن شهاب الزهري – رحمه الله -: هو الإمام التابعي الجليل : محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله الأصغر ، بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ، القرشي الزهري المدني ، ويكنى أبو بكر. ولد الإمام محمد ابن شهاب الزهري – رحمه الله – في عصر الدولة الأموية ، حيث كان مولده في أواخر عهد معاوية ابن أبي سفيان مؤسس تلك الدولة ، والتي انتشرت العلوم في عصرها انتشارا واسعا ، مما كان له عظيم الأثر على إمامنا من حيث غزارة علمه . ولقد استمرت الحياة السياسية في عصر إمامنا ، حتى تولى الخلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، والذي أوكل لإمامنا تدوين السنة النبوية المطهرة بعد أن خاف ضياعها . كان إمامنا – تغمده الله بواسع رحمته – يجالس الملوك والأمراء ، ولكن ليس طمعا في دنيا يصيبها ؛ بل من أجل نصحهم وإرشادهم إلى طريق الحق والخير والصلاح ، وقد كانوا يوكلون إليه تعليم أبنائهم لغزارة وعظيم علمه ، ومن هؤلاء الخليفة هشام بن عبد الملك . لقد كان إمامنا جريئا في مواجهة الملوك في قول الحق دون مواربة أو مداراة ، وليس أدل على ذلك معارضته - رحمه الله – للوليد بن عبد الملك في روايته لحادثة الإفك ؛ حيث روى الزهري – رحمه الله – قال : " كنت عند الوليد بن عبد الملك فتلا هذه الآية: (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيم)، قال : نزلت في علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه - ، قال إمامنا ابن شهاب الزهري : أصلح الله الأمير ليس كذا أخبرني عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها ، قال : وكيف أخبرك ؟ قال : أخبرني عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها : أنها في عبد الله بن أبي سلول المنافق " . قال الإمام الأوزاعي – رحمه الله - : " ما داهن ابن شهاب ملكا قط إذا دخل عليه ، ولا أدركت خلافة هشام أحدا من التابعين أفقه منه ".

توثيق المرجعي (APA)