ملخص الدراسة:

نحمدك اللهم يا من شواهد آياته غنية عن الشرح والبيان، ودلائل توحيده متلوة بكل لسان، وصلّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد المؤيد بقواطع الحجج والبرهان، وعلى آله وصحبه الباذلين مهجهم في نصرة دينهم على سائر الأديان، صلاةً وسلاماً دائمين على مر الأزمان. أما بعد.... فاللغة أعظم إنجاز بشري على ظهر الأرض، ولولا اللغة ما قامت للإنسان حضارة، ولا نشأت مدنية، ولقد وقر في أذهان الناس منذ القدم تقديس اللغة، وإعظام شأنها، وبلغت القداسة عند الشعوب البدائية، أن ارتبطت اللغة عندهم بتأثير اللفظ وسحر الكلمة، واختلط الاسم بالمسمى، في عقيدة هذه الأقوام. وقد أدرك العلماء علاقة اللغة بالمجتمع الذي تعيش فيه، ومدى تأثرها به، وتأثيرها فيه، كما عرفوا الصلة القائمة بين اللغة والنفس الإنسانية، وتلونها بألوان الانفعالات، والعواطف الوجدانية، لدى بني البشر. وترتبط اللغة بحياة أصحابها ارتباطاً وثيقاً، فهي لسان أهلها المعبر عن أحوالهم المختلفة، ولما كان من طبيعة الحياة التجدد، والتغير، وجب على اللغة التكيف مع هذه الطبيعة، وتلبية مطالبها وتعتمد في ذلك على وسائل مختلفة تستعين بها في إيجاد مفردات جديدة وتنمية نفسها. واللغة العربية هي إحدى هذه اللغات التي مرت بمراحل مختلفة، والتي حافظت على مكانتها وقوتها بين اللغات، فمنذ الجاهلية الأولى والعرب تعتز بلغتها، فالشعر يرفع قبيلة ويدني منزلة قبيلة أخرى، وحين شرفوا بحمل رسالة السماء تنزل على الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قرآناً عربياً، إنه الكتاب لا ريب فيه، حكم الآيات، ما فيه من عوج، واعتبرت العربية أشرف اللغات باعتبارها لغة القرآن الكريم، قال تعالى: "نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ"، وقال أيضاً: "كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"، ولقد أشار الثعالبي إلى ذلك بقوله: إن مَنْ أحب النبي صلى الله عليه وسلم أحب العرب ومن أحب العرب أحب لغتهم، التي أنزل فيها خير الكتب، وأن من هدى الله قلبه للإيمان يؤمن بأن محمداً صلى الله عليه وسلم خيرُ الأنبياء، وأن العرب خير الناس، وأن العربية خير اللغات. ولهذا كانت اللغة العربية مرتبطة بالإسلام ارتباطا عضويا، فبها نطق نبيُّ الإسلام، وأعظم رسل الله محمد صلى الله عليه وسلم وبهذه اللغة رويت أحاديثه وسنته وهديه، التي ضمتها الدواوين. ولقد ظلت العربية بالرغم من الهجمات العسكرية والإحباطات النفسية التي عانتها الأمة قوية صامدة، لكنها الآن في صراع مع تحديات العصر، الذي يُعَدُّ الإعلام ظاهرة من أبرز ظواهره. إن ما يشيعه الإعلام من مفردات، سرعان ما تنتشر بين الناس، ويرددها الخاصة والعامة، فإن كانت هذه المفردات صوابا شاع الصواب، وإن كانت خطأ شاع الخطأ وذاع حتى يملأ الآفاق، وليس هذا خاصا بالمفردات، بل في التراكيب والأساليب، فما يتبناه الإعلام منها، ويكرره، يتلقاه الناس بالقبول، ويجري منهم مجرى الدم في العروق، ويصعب بعد ذلك أن تفارقه، وربما استعصى على التقويم والتصويب. ولعل أهم ما يهدد اللغة الفصحى من جهة الإعلام هو شيوع اللحن، وكثرة الأخطاء في النحو والصرف والمفردات والأساليب، التي تنتشر بين كثير من رجال الإعلام، وإن كان بعضهم يتحرى الصواب فيما يكتب، وهو ما ينبغي أن نسدده وننبه عليه باستمرار، حتى يتلافاه الكاتبون والمتحدثون في أجهزة الإعلام المؤثرة أشد التأثير في ثقافة الجماهير العلمية والدينية والأدبية واللغوية. والخطأ و الصواب في الاستعمال اللغوي مسألة ذات خطر؛ لأنها حكم بمصير بعض الألفاظ، والتراكيب اللغوية، أو عليها، فإما حياة متجددة وجريان على الألفة في ثقة واطمئنان، وإما موت عاجل يندثر به اللفظ أو التركيب و يطويه الإهمال والنسيان. ولهذا كانت هذه المسألة ولا تزال تغري كل حريص على الفصحى، وتستولي على جلّ اهتمامه في الدرس، حتى لتكاد تصرفه عن غيرها من مسائل اللغة والنحو، وهو أمر محمود من كل مسلم ومدعوٌّ إليه. وتُعَدُّ وسائل الإعلام مصدراً مهماً من مصادر التثقيف اللغوي وتُعدُّ الصحافة إحدى هذه الوسائل، كما أن الصحف تشمل ثراءً لغوياً جديراً بالاهتمام، ولعلّ متصفح هذه الصحف يجد أنها لا تخلو من الأخطاء النحوية واللغوية الشائعة، والأدهى من ذلك أن كثيراً من الألفاظ والتراكيب الخاطئة الشائعة أخذت طريقها إلى لغتنا، ونجد من يدافع عن ذلك تحت مسمى "لغة الصحافة".

توثيق المرجعي (APA)

البطش, يوسف محمد علي (2008). الأخطاء اللغوية في الصحافة الفلسطينية في انتفاضة الأقصى (دراسة وصفية تحليلية). الجامعة الإسلامية - غزة. 16453