ملخص الدراسة:

إنَّ للمسلمين تراثاً كبيراً حافلاً بما تحتاجه الإنسانية في أدوارِ حياتها المختلفة، وسبب ذلك أنَّ المُتَكفِّل لنظامه الأكمل هو الله تعالى العليم الحكيم، حيث جعل لهم نظاماً متكاملاً يحقق لهم السعادة في الدارَيْن ويهديهم إلى الصراط السوي في جميع مجالات الحياة، وذلك من خلال تعاليمه التي تضمَّنَها القرآن الكريم وكذا السنة النبوية الشريفة. فالقرآن الكريم هو الدستور السماوي الذي يُنَظِّم حياة المسلمين وشؤونهم، لذا كان الاهتمام به تلاوةً وفهماً وتفسيراً من أولويات المسلمين في التعامل مع كتاب الله تعالى في جميع العصور منذ اليوم الأول لنزولِ الوحي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يومنا هذا، حيث التفاسير القرآنية المختلفة والبحوث العلمية التي تناولت كتاب الله تعالى بالدراسة والبحث والتفسير والتدقيق والتحقيق في آياته وسوره وغيرها، وقد كانت البذرة الأولى لذلك هي تلك التعاليم المقدسة التي كانت من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والتي حَثَّت على تلاوةِ القرآنِ وفهمِ معانيه والتدبرِ في آياتهِ واتِّخاذهِ إماماً، فكانت سيرته (صلى الله عليه وآله وسلم) تجسدُ معاني القرآن الكريم، حيث كان يؤكد ذلك الاهتمام من خلال تلاوة القرآن على أصحابه وتفسيره لهم آيةً آيةً، بل كلمةً كلمةً ليفهموا كلام الله أولاً، وليؤكد لهم على عظمته وقدسيته وأهميته في حياتهم، وتُعَدُّ هذه أولى أدوار تفسير القرآن الكريم والذي يعرف اصطلاحاً بـ (التفسير بالمأثور)، ثم تابع ذلك بخطوات عدة منها الاهتمام الخاص ببعض أصحابه وأهل بيته لبيانِ معرفةِ حقيقةِ القرآنِ وفهمِ أسرارهِ ومعانيه، فكان نتاج تلك التربية الخاصة أنْ تخرَّجَ من مدرسته أمير البلاغة والفصاحة والبيان علي بن أبي طالب الذي يقول في إحدى كلماته: ((فواللهِ ما مِنْ آيةٍ إلا وأنا أعلمُ أَبِلَيْلٍ نزلتْ أم بنهارٍ، أم في سهلٍ أم في جبلٍ))، وغير ذلك من الأحاديث التي تُبَيِّنُ مدى اهتمام الأئمة (عليهم السلام) بالقرآن الكريم بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد تجلى هذا الاهتمام في كثرة الأحاديث الواردة حول القرآن الكريم، وما ورد عنهم في تفسير آياته كونهم عِدْلَ القرآنِ الكريم والأعرفَ بفهمِ مقاصدِهِ ومعانيه ..