تعـد مشاركة الصين في النظام الدولي القائم حـاليا غير بناءة لأنها تشعر إن القواعد الـتي يقوم عليهـا لم تكن الصين جـزء منها. وان رد فعلهـا الغريزي تجـاه النظام الـدولي السائـد هو العمل على تقـويضه وإقامة نـظام دولي تنخرط هـي في صياغة

قواعده بما يعكس مصالحها وتصوراتها. إن طموحات الصين لن تتوقف عند صعودها على قمة النظام الدولي على نحو مكافئ للأقطاب الدوليـة والعمل على صياغة نظام دولي مـتعدد الأقطاب، وإنما هي تسعى للتفـوق على الآخرين بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية؛ وحتى هذا لن تكتفي به الـصين الصاعدة وإنما هـي تسعى لتغيير النـظام الدولي ليقوم على قـواعد تنشئها بنفـسها؛ وما يدفع لذلك موروثـاتها الحضارية والتاريخيـة وقيمها وثقافتها التي تـشكل سلوكها. وقـد حددت الصين موعـدا لحلمها بهذا الـصدد؛ ذلك الحلم الذي تتـداوله النخب والقيـادات والزعامـات السيـاسية جيلا بعـد جيل منذ تـأسيس جمهـورية الصين عـام 1912 بقيادة صن يـات سن الذي عبر عـن الحلم الصيني بالعودة إلى موقع الزعامة العالمية وصولا للزعيم الصيني الحالي شي جين بينغ الذي يبدي إصرارا واضحا لتنفيـذ الخطة الطويلة الآجل الـتي وضعها مهندس الصعود الصيني دنغ شياو بينغ؛ وكان المؤتمر العـام التاسع عشر للحزب الشيوعي قد أكد إصراره مجددا على تحديـد السقف الذي تصبح فـيه الصين الزعيم الجـديد للعالم وذلك في عام 2050 والـذي تكون فيه الصين في موقع يـؤهلها لإدارة النظام الدولي وفق سياقات جديدة تزعم أنها ستحقق للبشرية الرخاء الجماعي. يواجـه الطموح الصيني تحـديات منافسـة كبيرة وحادة ليس مـن جانب الولايات المتحدة الأمـريكية فحسـب ولكن أيضا من أطـراف دولية عديـدة في جوار الصين نفسها؛ فضلا عن إن الطموح الصـيني يعاني من مشكلات عديدة وكبيرة وحقيقية داخليـة تمثل ضواغط كبرى من شـأنها أن تعمل على تأخيره في أحـسن التقديرات. فكيف ستعمل الصين على تخطـي هذه العوائق والسير نحو هـدفها في تغيير النظام الدولي»؛ الإجابة على هذا السؤال بحاجة إلى دراسة أخرى.