ملخص الدراسة:

الحمد لله الذي علم الإنسان ما لم يعلم،وأسدى عليه من العلوم وفهم، وزاده من نعمائه بإسلامه خير مغنم، وحفه بعنايته وحفظه وسلم ،وجعله سراجاً منيراً في الليل وقد أظلم، ووفى بأحكامه وقواعده ما استجد وادلهم، والصلاة والسلام على صاحب الوجه الأنوار ، والرأي الأزهر ، والخلق الأكبر محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ما أقبل نهار وأدبر . أما بعد ... فإن الله عز وجل لما خلق الخلق ، وأبدع الكون ، استخلف الإنسان على هذه الأرض، فلم يخلق عبثاً ، وإنما لحكمة وغاية، ألا وهي عبادة الله وحده لا شريك له " {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } " وإن الله -عز وجل- شرع لبني آدم من الشرائع ما يكفل لهم العيش الكريم ، ويحافظ فيه الإنسان على نفسه ابتداءً ، وكل ما تلعق به انتهاء ، فجعل لهذا الدين كليات خمساً، لا تستقيم الحياة بدونها ، ألا وهي :- حفظ الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسل ، والمال ، وحرم كل ما من شأنه الإضرار بهذه الكليات . كما أنه سبحانه وتعالى زاد عباده من فيض تفضله ، وذلك بفضـل ما كفله لهم من حقوق ، ومنحهم من حريات ، تنوعت ما بين حرية الاعتقاد ، والحـريات في التمتع بالخصوصية المطلقة ، وكذا حـرية التعبير والإدلاء بالرأي ، وأعطاهم مساحة واسعة تسمح لهم بتعلم كافة العلوم ، وممارسة ما شاءوا من الأنشطة ، وغير ذلك من الحريات التي لا حصر لها ولا عد، ولكنه جعل ذلك مرهوناً بعدم الضر أو الإضرار ، فإنه من القواعد الهامة في شرعنا الحنيف قول الرسول "صلى الله عليه وسلم" ، " لا ضرر ولا ضرار". ومن هذا المنطلق فإن الإسلام لم يكن ليقف يوماً في وجه التطور بجميع أشكاله، وفي الميادين كافة، ولكن هذا التطور لا بد أن يسيج بسياج الشرع ، وإلا فإنه سيعود بالضرر المحقق على الفرد والمجتمع، وخير مثال على ذلك أن هذه التكنولوجيا الحديثة، والتي تحمل في طياتها خيراً كثيراً للبشرية؛ لم تخل من سلبيات كبيرة، عادت على المجتمع برمته بالمصائب والويلات. ولعل الحاسب الآلي والإنترنت كما قدمت للبشرية جمعاء خيراً كثيراً في مجال الطب والدعوة، والسياسة، والوظائف، والتجارة، والبحث العلمي.... وغيرها؛ من المجالات إلا أنها باتت تهدد أمن الفرد والدولة، بما يتمخض عنها من جرائم تمس بالأشخاص والأموال ويمتد هذا الخطر ليصل إلى أمن الدولة. وتكمن الخطورة في مثل هذه الجرائم في استحداثهم للطرق والوسائل التي يعتدى فيها على الحاسب الآلي من جهة ، وعلى الأشخاص والممتلكات والدول بواسطته من جهة أخرى؛ حيث إننا حديثو عهد بمثل هذه الجرائم ، التي لا يكاد يكون لها توصيف شرعي ولا قانوني بنفس الدقة التي تتسم بها هذه الجرائم ، مما يجعل مجال البحث فيها يضيق، بل جعل الكثير من الفقهاء يترددون في إعطاء حكم شرعي ، أو في تجـريم الجناة بصورة واضحة، ومقدرة بتقدير الشرع ، ولكنا وبالنظر إلي أصول الشريعة نجد أنها فرضت من العقوبات؛ سواءً المقدرة أو التعزيرية ، كل ما من شأنه المساس بالأفراد أو الممتلكات، فضلا عن أن يصل إلى أمن الدولة. نعم قد تختلف طبيعة الجرائم وصورها من عصر لآخر، لكن هذا لا يعني التغاضي عنها، حتى إن كلفنا ذلك سن قواعد جديدة تناسب تنوع الجرائم من وقت لآخر، وهذا ما يميز شريعتنا الغراء عن غيرها من الشرائع.

توثيق المرجعي (APA)