ملخص الدراسة:

لعبت الأفكار التي اعتمدت عليها القوى والتيارات الدينية في العصور الوسطى دوراً في تبلور الفكر الديني اليهودي، فقد انتشر بين اليهود في العصور الوسطى فلسفة (الكبالاة)؛ وهو علم التأويلات الباطنية والصوفية في اليهودية، وفي مفهومها الواسع تشير إلى العقائد الصوفية الغيبية التي ظهرت بين اليهود في أوروبا منذ بداية القرن الثاني عشر، وتعبر عن الازدهار الفكري الأسطوري في اليهودية؛ القائم على أساس السحر والشعوذة والغيبيات، حيث رأت (الكبالاة) أن وجود اليهود ضروري لاتزان الكون . عاش اليهود في العصور الوسطى في البلاد الأوروبية بعزلة الغيتو؛ أي في قرى وأحياء معزولة لا يختلطون فيها مع شعوب البلاد؛ مما أثر على فكرهم، ونظرتهم لأنفسهم؛ بأنهم (شعب نقي) لا يختلطون مع أجناس أخرى؛ مما أدى إلي تعرضهم لاضطهاد الشعوب الأوروبية لهم، حتى ظهر بعض المفكرين اليهود الداعين لفكرة التحرر والتنوير (الهسكلاة)؛ مع الحفاظ على تقاليد اليهود، وعدم اندماجهم بالمجتمعات الأوروبية؛ حتى لا يفقد اليهود قيمهم الدينية، أو يدينون بالدين المسيحي . واستناداً إلى تلك الأفكار ظهرت للقوى والتيارات الدينية أهمية كبيرة، وذلك منذ عام 1902م بعد عقد المؤتمر التأسيسي لحركة همزراحي (المركز الروحي)، وقد عملت بعض القوى الدينية على استغلال الشعور الديني عند اليهود لجذبهم لصفوف الحركة الصهيونية، وتبنت تلك القوى أهدافاً ونشاطات ذات طابع ديني؛ مما أدى إلى زيادة عدد اليهود الوافدين إلى فلسطين، وأقامت علاقات مع باقي الأحزاب والحركات الصهيونية والدينية اليهودية، فقد استندت الحركة الصهيونية على عنصر الدين في الفكر والعقيدة اليهودية، جاعلة منه ركيزة أساسية في المطالبة (بدولة قومية) خاصة لليهود. ومن القوى الدينية التي عملت في خدمة الحركة الصهيونية همزراحي وهابوعيل همزراحي (العامل الشرقي)، وقد التقتا مع الحركة الصهيونية في الإيمان بالعقائد الدينية، و(القومية) والرغبة في العمل الجماعي مع الكتلة العلمانية في الحركة الصهيونية. أما حركة (أغودات يسرائيل) فتعد البيت التنظيمي للأصوليين الأرثوذكسيين المتشددين، الذين هم على استعداد لحماية العقيدة الأرثوذكسية ضد الصهيونية، انطلاقاً من أن حل كل القضايا اليهودية يجب أن يكون وفقا لتعاليم التوراة، وانفصلت عنها حركة (بوعالي أغودات يسرائيل)، وهي حركة عمالية حريدية مقربة في فكرها من حركة (أغودات يسرائيل)، ولكنها ذات تنظيم خاص، وهي أحد فروع حركة (أغودات يسرائيل) في فلسطين. غيرت (أغودات يسرائيل) موقفها من إقامة (دولة يهودية) على أرض فلسطين بناءً على التغيرات الطارئة في أوائل الثلاثينيات، فقد تعاون (أغودات يسرائيل) مع الوكالة اليهودية في الهجرة وفي السياسة الخارجية، وبعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) أصبح موقف (أغودات يسرائيل) تجاه (الدولة) أكثر وضوحاً، وبناء على ذلك الموقف المؤيد للصهيونية اندمجت الحركة في النشاط الصهيوني وناصرته. أما جماعة تكفير الدولة من (الحسيديم) وجماعة ناطوري كارتا (حراس المدينة)، القائمة على أساس تكفير الحركة الصهيونية، ورفض فكرة الدولة؛ وأن مكانة كل جماعة من الجماعات الدينية السابقة تقاس بمقياس البعد عن الصهيونية، فقد برهن أفراد تلك الحركة أنهم ضد كل ما هو صهيوني، وأنهم يعادون الصهيونية علناً، وبما يتبنونه من فكر. شاركت القوى والتيارات الدينية المؤيدة والمعارضة للصهيونية قبل عام 1948م، بنشاطات ذات طابع ديني؛ فأقامت المؤسسات الثقافية، والتعليمية، ودخلت مجال العمل الاستيطاني، وأظهرت مواقفها من تطور الوضع السياسي قبل عام 1948م في فلسطين. كما أقامت شبكة من العلاقات المتعددة الأطراف؛ مع الحركة الصهيونية ومع القوى الدينية اليهودية الأخرى في فلسطين، وهدفت من خلال تلك النشاطات والعلاقات تحقيق أهدافها؛ المتفقة أحياناً، والمتعارضة أحياناً أخرى.

توثيق المرجعي (APA)

ديبة, نايفة حماد سعيد (2012). القوى الدينية اليهودية في فلسطين، وعلاقتها بالحركة الصهيونية (1902-1948م). الجامعة الإسلامية - غزة. 17944